روائع مختارة | روضة الدعاة | أدب وثقافة وإبداع | الإبرة...فى التراث الشعبى

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > روضة الدعاة > أدب وثقافة وإبداع > الإبرة...فى التراث الشعبى


  الإبرة...فى التراث الشعبى
     عدد مرات المشاهدة: 4110        عدد مرات الإرسال: 0

هى الأداة المعروفة، وقد أصبحت محورا يدور عليها كثير من الإعتقادات المصرية والأدب المصرى الشعبى، وقد أخذت هذه الإعتقادات تندثر لرقى الأمة وإستنارتها.

كان عامة المصريين يحرمون بيع الإبر بعد العصر، وكان على باب حارتنا -عطار- لو بذلت له عشرة قروش ثمن إبرة بعد العصر لا يرضى أن يبيعها، وأساس ذلك عندهم خرافة شائعة -العياذ بالله- وهى أن الملائكة الموكلة بقسمة الأرزاق تنزل بعد العصر، فتقسم الأرزاق حسب الحالة التى يرون عليها الإنسان، فإذا كان فى سعة من العيش زادته سعة، وإن كان فى ضيق أعطته على قدره، وهم يعتقدون أن حرفة الخياطة من أبأس الحرف وأفقرها، فهم يكرهون أن تراهم الملائكة على هذا البؤس فترزقهم على قدر بؤسهم، فحرموا من أجل ذلك الخياطة وبيع الإبر بعد العصر.

وعند بعضهم -العياذ بالله- إعتقاد بأن الخياطة بالليل يؤذى الأموات، فهم يكرهون أن يخيطوا شيئا بالليل، وفى بعض القرى يتشدد النساء فى ذلك فلا يعرن إبرة لأى سبب بعد العصر، فإذا دعت الضرورة إلى ذلك وضعتها المعيرة فوق رغيف من الخبز وأعطته لطالبة الإبرة فتأخذ الرغيف وعليه الإبرة، ولكن لا تمسها بيدها مباشرة.

وعندهم نوع من الإبر يسمى -الإبرة الغشيمة- وهى الإبرة التى لا عين لها، وهى فى الأصل إبرة أخطأت الآلات التى تصنعها فمرت عليها من غير أن تثقبها، فلما كثر الطلب عليها كان تجار الإبر يسوردونها بتوصية منهم عليها، وكان السبب فى الاقبال عليها إعتقاد العجائز     -العياذ بالله- أنها تبطل عمل السحر، فهن يأخذنها ويلففنها فى خرقة ويضعنها فى حجاب من جلد فتمنع العين والسحر.

وقد دخلت الإبرة فى الأدب المصرى الشعبى، كما دخلت فى الأدب العربى، فهى فى الأدب المصرى سبة للمرأة، فإذا رأت امرأة امرأة أخرى نحيفة جدا -جلد على عظم- عيرتها بأنها إبرة، وكانت هذه سبة فظيعة يوم كان المثل الأعلى للجمال هو السمن، وكان الخاطب يوصى الخاطبة بأن تكون المخطوبة بيضاء سمينة غنية وشعرها أصفر، فأما الآن فقد تغير هذا الذوق، وتغلب حب الرشاقة على حب السمن، ولذلك فقدت هذه السبة كثيرا من قيمتها.

ومن الأمثال العملية فى الإبرة -يفتى على الإبرة ويبلغ المدرة- ومعنى يفتى على الإبرة أنه يفتى بتحريم الإبرة على غيره، ومعنى -المدرة- المذراة وهى التى يذرى بها الحب، وهو مثل يضرب لمن يحرم على الناس صغار الأمور، وهو مع ذلك فى نفسه يرتكب كبائرها، فهو لغيره يحاسب على الإبرة، وهو فى نفسه يبلع المدرة.

ومن أمثالهم أيضا -الإبرة اللى فيها خيطين ما تخيطش- وهو مثل يضرب لتعدد الرءوس والخوف من فساد العمل بكثرة الأوامر المتناقضة، فهو شبه بالمثل الآخر: -المركب اللى فيها ريسين تغرق.

ومما يتصل بأمثال الإبر أنهم إذا عابوا خياطة خائطة قالوا: -بين الغرزة والغرزة ترقد المعزة- يعنون بذلك أن غرز الخياطة ليست منسجمة ولا دقيقة، فبين كل غرزة وأخرى فضاء كثير يتسع لرقاد العنزة.

ومن أمثالهم أيضا -التركى يحفر البير بإبرة- وهو يدل على عقيدتهم فى التركى بأنه صبور على نيل غرضه يصل إليه فى دأب وصبر، ولو لم يجد وسائله متوافرة إستطاع أن يتخذ أى وسيلة مهما صغرت، وكمل نقصها بصبره والثبات على قصده، وفى القرآن الكريم: {ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل من سم الخياط} وسم الخياط هو ثقب الإبرة أى أنهم لا يدخلون الجنة حتى يدخل الجمل من خرق الإبرة، فهذا مستحيل وذاك مستحيل، وهذا تعبير جميل عن الإستحالة، ومن التعبيرات اللطيفة فى ذلك قول الشاعر:

فلو أن ما بى من جوى وصبابة *** على جمل لم يدخل النار كافر.

أى لو أن ما به من وجد وهيام وضنى وصبابة نزل بالجمل لهزله وجعله كالفتلة تدخل فى إبرة، وإذا دخل الجمل فى إبرة دخل الكافر الجنة.

والعرب جمعت الإبرة على إبر وأحيانا تجمعها إبار ككتاب، ومن ذلك قول القطامى:

وقول المرء ينفذ بعد حين.. أماكن لا تجاوزها الإبار، وهو معنى ظريف أى ان القول قد يصل فى الحز واللدغ ونحوهما إلى حيث لا تنفذ الإبر.

وشاع فى الأيام الحديثة التعبير بقولهم: -السياسة وخز الإبر- ويعنون بذلك سياسة العداء فى الخفاء تخز وخزا من غير أن تسيل دما.

المصدر: جريدة الأهرام اليومي.